صورة في الذاكرة

صورة في الذاكرة
في ارياف ظفار....سلطنة عمان

الاثنين، 31 ديسمبر 2012

الليــــــــل


الليل صحى شجوني في خواطرها ***
ينبش بنفسي خوافي وهي مدفونه.

ذكرى قديمة وجتني في سوالفها ***
ما كنت ناقص ياجرحي نفس محزونه.

أطلالحب"ن تفرق في مساكلها ***
يامبعد الدار وحظ إللي بيلفونه .

أرض"ن تربى شويقي في مرابعها ***
الدار داري وعارف من يحلونه.

ما كنت أطمع ولا لي في منافعها ***
ما غير ود"ن عهوده عندي مضمونه.

بس العواذل أثاروا في مسامعها ***
كذبه وكذبه وكلها عكس قانونه .

قالوا : محمد تلاعب في مشاعرها ***
كل يوم وحده وكل الخلق يدرونه .

شاعر نثر قصيده في محاسنها ***
والشعر مفهوم للي دوم يقرونه.

مره بسلمى ونورا ومره يخفيها ***
والعشق يظهر بنظره وحِدّة عيونه.

لو كان صادق بحبه بايوصفها ***
أو كان بالشعر لمح لمّـــا يدعونه.

النفس قامت وثارت في لواعجها ***
وأفكار بالي عليهم حيل مشحونه.

راجعت نفسي تهدي من وساوسها ***
والنفس بأخلاق طبعي فيني مرهونه.

وكتبت لأجل الحبيبه في مراسلها ***
العمر كله حياتي فيكي مجنونه.

الثلاثاء، 17 يوليو 2012


ياليتك تفهمي خوفي وشوقي
وليتك تسمعيني للنهايه@

إذا جيتك وإحساسي سبوقي
ومهما عطيت ما قلتي كفايه@

أخيط الثوب من وجدان ذوقي
وأفصل من معاناتي عبايه@

تغطي ما تبقى من عروقي
وتفضح من يروج لدعايه@

ثقيل الهم حملته دوم فوقي
كإنه وريث منتظر الوصايه@

إذا دمعي تحجر وسط موقي
فقد أبكيت صفحات الروايه@

وإذا كثرت علي أسباب عوقي
فكم أشخاص نالوا  من دفايه@

ألا يانفس حدك بس روقي
وإرمي ما يضايقكي ورايه@

أنوخ ف المحطه كل نوقي
وأدعو الله ربي بالهدايه@

΅°{}  خواتيم الأماني {}·°°
جبرني الشوق والإحساس زائد
وكل مرة مع نفسي أعيده@

وأبني من مساراته مباني
تطاول هذه القمه البعيده@

أعاني وكم أعاني من مواجع
وأنثرها على صفحة جريده@

وأعلن للملا قصة هوانا
بلا تزييف حقائقها أكيده@

ألا ياشوق تلطف بالحنايا
وحزني بوسط صدري لاتزيده@

أبيح السر للعين الكحيله
وكل ما كان أنا فعلا أريده@

تماتم حب خافت يافتاتي
يعاندني وأنا نفسي عنيده@

يغير لي مسارات المشاعر
ويحمل لي بقايا من بريده@

وعبق الأمس ذكرني حكاوي
خواتيم الأماني ف القصيده@

أجيها وكل مافيني محبه
وتترك نفسي الثكلى وحيده@

وتتكسر مرآيا أمنياتي
وتهدم حلم بالعيشه السعيده@

على شاطئ التنكر والتجافي
تموت أزهار يخنقها جليده@

وتتهاوى صور من ذكرياتي
وكنت أظنها طاحت شهيده@

الخميس، 5 يوليو 2012

العمر كله........


أبنتظر رغم الليالي الطويلات
ساهر ولا رفت من الشوق عيني@

فيني بوادر عشق فيني مجالات
لو غادرتني يوم ترجع تجيني@

طوقتها بالحب رغم المسافات
وأسكنتها أقصى مرابع يميني@

ليلة خميس أرسلت مني تحيات
من قلب شاعر عالمحبه أميني@

أقول لها مرحب وحيا سلامات
ياملهمة كامل مشاعر ضنيني@

الحب عندي ما مجرد شعارات
ولا كان ف الأسواق إنتاج صيني@

رهنت له ودي وشوقي ضمانات
وأعطيت له ماكان مذخور فيني@

لو حب غيري صار من دون إثبات
فــــأنا أقـــــول الحب كله يقـــيني @

العمر كله وباقي العمر لو فات
ما هي خسارة لو تعدي سنيني@

الثلاثاء، 3 يوليو 2012


الحـــــــــب الظفاري



هيهات أحلم أو فؤادي يفكر
إنه بيعجب بوحده غيرك ساعه@

إنتي الهواء والماء وإنتي أكثر
معاكي أجهل إنه فيني قناعه@

لما أشوفك أحس عيني تبصر
وإن ما رأيتك مشاعري نزاعه @

مابالك إنتي إذا لبستي أحمر
يبدأ جنوني ويرتفع إيقاعه @

ويظهر جموحي يقتلع ويكسر
عشان هذا يوصله لإمتاعه @

والصوت ويلي كل حواسي خدر
والقلب طافي كإنه فقاعه @

يمكن بصبعك تلمسيه يتفجر
ويمكن برقة تعرفي إبداعه@

دكتور مرة قال قلبك أخضر
وعشان يتأكد عملي إشاعه @

شاف الفؤاد وكيف إنه يزفر
والحب شيد في ضلوعي قاعه@

ثم تبسم فقلت يأخي بشر
عادك تريد تحط لي سماعه؟@

قلي بصراحة فيك شي محير
حتى ضلوعك كلها لماعه @

فقلت تسمح ياعزيزي أفسر
الدم هو الدم بكل أنواعه @

لكن قلبي مستحيل يتغير
هو المخطط وأنا من أتباعه@

واللون هذا لون ديرة  مظفر
لون الطبيعة مآخذه أطباعه@

حبي ظفاري ماهجيته يخسر
والحب شرع ف الهوى بشراعه@

آسف لعدم التنسيق حاليا...لاحقا بان الله

يأهل الطناخه والحميه والكلف
مزونهم ترعد بزخات الرصاص@

يطوقون الخصم يحطونه بكف
لاعاد له مهرب ولا له من مناص@

رياحهم صرصر إذا الموعد أزف
فوق الظوامر زينها ذيك القلاص@

ياحاملين الحق وأحكام الشرف
والجاني مهماكان يخضع للقصاص@

يوم التلاقي ماهدأ جفني ورف
أبتان منهو عام ومنهو وضع خاص@

حتى القوافي بالمشاعر تلتحف
تعمل كمائن جاهزه للإقتناص@

لما بدا لي الفكر طاروقه عصف
أسكت كل راوي وكل شاعر و قاص@

عندي كند ترمي على أبعد هدف
أحطها بين الحواجب والنواص@


تمنيتك معي في كل خطوه *** وكل مشوار تمشي له رجولي

وما قصدي بتعبك بس منوه *** مناي يكون حسك دوم حولي

أيا أجمل نغم في حس غنوه *** وأجمل بــوح ترجمته بقولي

خذيتي القلب طوعا أو بعنوه *** تملكتي المشاعر في ميولي

وإذا في يوم حسيتي بهفوه *** فحــذرك بس يعلمها عــــذولي

يكيدوا لي مكائدهم بقوه *** يريدوا يأخـــروا لحظـــة وصولي

عليهم ما دعى الداعي بدعوه *** تدمرهم كما الجيش المغولي

معاكي الوضع ما يحتاج قسوه *** ولا تفسير من واحد فضولي

أنا وأنتي نعيش أوقات حلوه *** لوحدك مآخذه الدور البطولي

الثلاثاء، 17 يناير 2012

كـــــــلام في كــــلام


تبــخل علي بكـــــلام وأنــــــــا عنـــدي كــــلام


وكــــــــل واحـــــــــد منــنا لـــــــــه مــوهبــــه


إنــت إن غـــزاك الشــــوق وإحساس الغـــــــرام


حتـــــى الحجــــر تقـدر بصــــوتك تطــــــــــربه


أمــــــــا أنــا أهجــــر تـواقـــيــــت المــنــــــام


وأســيق حـــــرف الشعــــر بكـيفـــي أكـتــبه


وأشـــوف ضوء الشمس ولو حــولي ظــــلام


وأتنتـــن الأبـيــــات وقـــولـــي أعـــــــــــربه


لــو كـــان للأشــعـــار قمـــــه أو ســنــــام


فــــوق السحــب والغــيــم نــلت المــرتبه


النـــاس تتعاتــــب بأقـــــوال المـــــــلام


وأنـــــا بالأشعــــار خصمـــي أضـــربه


سكــنت مع الأبيات في ظــــل الخـــيام


ومـــابيــن أجســاد الجنـــود المتعـــبه


وشفـت وضع الشعر ركام "ن في ركام


وكـــــل واحـــــد صار هــــذا ملعــــبه


لحفظ ماء الـــوجه آثـــــــــرت الصيـام

عـــــن قــــول هــذا وذاك لإني منتـــبه


ما جيــت أغـــير شيء في هـذا الـنظام


أو طلــبت أكــــون مــديــر المكـتــبه


ولا كـتبت الشعـــر لأجــــل الإنتـقــام


ولا أرى نــفـــسي بحقــك مــذنــبــه


يطيــر غبار الجـو كما طبقـة سخـام


أمــا المطـر فالأرض بسـرعه تشـربه


ولـو شفت عجــاج الغيم ما هـو لـدوام


زوبـعــة بــا تمــر وفيــــها أتــــربـــه


إختــــلاف الــــرأي يبــقى بــإحتـــرام


ويحـــق لكـــل واحـــد يبـيــن مطـلــبه

الاثنين، 9 يناير 2012

هنيبعل.....القائد القرطاجي الأسطورة


المقـــدمة:   من هم الفينيقيون؟

الفينيقيون هم مجموعة من القبائل الكنعانية , ومسمى الفينيقيون أطلق عليهم من قبل الإغريق. وعندما بحث في أصل الكنعانيين وجد العلماء اختلاف بين قائل بأنهم يعودون إلى كنعان بن حام بن نوح عليه السلام , وقائل أنهم يعودون إلى كنعان بن سام بن نوح عليه السلام. ومن خلال قراءاتي العديدة في هذا الجانب أرى انجذابا نحو كون الكنعانيين ساميين وهم من العرب الذي هاجروا من الجزيرة العربية وبالتحديد من اليمن (العماليق) ومن ثم من الخليج العربي حوالي سنة 2300 ق.م. قبل ميلاد المسيح عليه السلام.

هاجرت هذه القبائل من شبه الجزيرة العربية إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط , وقيل أنها سلكت في هجرتها طريقين: الطريق الأول مر عبر الخليج العربي مرورا بجنوب العراق ثم صحراء سوريا ( رأي العلامة استرابون) , والطريق الثاني مر بمحاذاة الشاطئ الغربي للبحر الأحمر ومنه اتجهوا شمالا إلى فلسطين ولبنان وسوريا (رأي هيرودت).

والحقيقة وجدت في بحثي هذا أن استرابون يقول أن سكان الخليج العربي كانوا يسمون مدنهم بأسماء المدن الكنعانية ( صور ، صيدا ، أرواد ، جبيل ) ورجح أن تكون تلك المدن أقدم من التي على سواحل المتوسط , كما أن معابدهم القديمة ، تتشابه مع معابد الكنعانيين, فافترض أن الهجرة تمت من الخليج العربي باتجاه البصرة ثم بلاد الشام

بعد أن استقر الفينيقيون في سوريا ولبنان وفلسطين, وبنو المدن والقلاع, وكانت في ذلك الوقت مدن مستقلة ترتبط باللغة والدين , ولا ترتبط فيما بينها من الناحية السياسية, لهذا تعرضت هذه المدن للكثير من حملات الغزو وهو الأمر الذي وحدها فيما بعد حتى تستطيع ان تواجه هذا الغزو.

وبإيجاز وبدون الدخول في الكثير من التفاصيل نستطيع أن نقسم هذا التاريخ إلى الفترات المحددة التالية بحسب رأي المؤرخين:

الفترة بين 1200 – 1000 ق.م. (الوصول والاستقرار في الشام):

في هذه الفترة تعايش الفينيقيون مع سكان المنطقة في أمن وسلام, وأسسوا مدن جديدة كان يربطها عامل اللغة والدين والمصالح التجارية إلا أنها كانت مستقلة ولا تخضع لحكم سياسي موحد. هذه المدن تعرضت بعد ذلك لحملات غزو خارجي من قبائل من شمال أوروبا ( الغزو الفلستي) , وكذلك من القبائل الآشورية.

الفترة بين 1100 – 232    ___ ق.م. (مرحلة الفينيقيون الشرقيون):

في هذه الفترة تعرض الفينيقيون الذين يسكنون في بلاد الشام للغزو من كل قوة كانت تظهر على الساحة في فترات التاريخ المختلفة , بدأ من الغزو المصري, ثم الآشوري, ثم البابلي وصولا إلى الغزو الفارسي وحتى الغزو الروماني على يد الإسكندر الأكبر في سنة 333 ق.م .

الفترة بين 1100 – 146 ق.م. (مرحلة الفينيقيون القرطاجيون):

نلاحظ أن هذه المرحلة مرادفة لمرحلة الفينيقيون الشرقيون إذ إن الفينيقيين وعلى أثر حملات الغزو التي تعرضت لها مدنهم آثر البعض منهم البقاء في الشام, بينما هاجر قسم كبير منهم في سنة 1100 ق.م. باتجاه السواحل الإفريقية على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وكذلك وصل البعض منهم إلى بعض السواحل الأوربية على البحر المتوسط.

ومن هنا سوف نركز فقط على مرحلة الفينيقيون القرطاجيون والتي يمكن أن نلخص أبرز أحداثها من خلال النقاط التالية:

سنة 814 ق.م. تأسيس قرطاجة:

أسس الفينيقيون مدينة قرطاجة على الساحل التونسي , والحقيقة مدينة قرطاجة سبقت في ظهورها مدينة روما التي أسست في سنة 750 ق.م. ويقال أن الأميرة اليسار الصورية (اسمها الإغريقي ديدون) جاءت هاربة من مدينة صور في لبنان وأسست هذه المدينة وكان يطلق عليها قرت حدشت ومعناها المدينة الجديدة, ثم تحول الاسم إلى قرطاج وفقا للنطق اللاتيني.

سنة 600 ق.م. (بداية الصراع بين روما وقرطاجة):

ظهور صراع بين روما وقرطاجة في سبيل السيطرة على مدن البحر الأبيض المتوسط والملاحة , وكانت أول معركة بين قرطاجة والإغريق في سنة 600 ق.م. بسبب تأسيس الإغريق لمستعمرة لهم في مرسيليا.

الحروب الصقلية:

التنافس بين روما وقرطاجة كان قد استعر للسيطرة على التجارة في البحر الأبيض المتوسط, وكانت جزيرة صقلية مهمة جدا لموقعها الجغرافي لذلك دخلت قرطاجة وروما في ثلاثة حروب سميت بعد ذلك بالحروب الصقلية الأولى, والثانية والثالثة في سبيل السيطرة على هذه الجزيرة.

الحرب الصقلية الأولى ( 480 ق.م.):

الحرب الصقلية الثانية (409 – 340 ق.م.):

الحرب الصقلية الثالثة (315 – 310 ق.م.):

الحروب البونية:

ثم توالت بعد ذلك المعارك حتى دخلت المعارك ما يسمى بمرحلة الحروب البونية والتي قسمت كذلك إلى ثلاثة فترات وهي:

الحرب البونية الأولى (264- 231 ق.م.).

الحرب البونية الثانية (218 - 202 ق.م.).

الحرب البونية الثالثة ( 149- 146 ق.م.).

وشكلت الحرب البونية الثالثة نهاية الصراع الذي تمثل بانتصار روما وهزيمة قرطاجة وبالتالي شكلت نهاية الفينيقيون كأمة ولم تقم لهم بعدها أي قائمة.

إذا هذا هو التاريخ الفينيقي باختصار.

الآن وقد عرفنا ذلك, وكيف نشأ التنافس والعداء التاريخي بين روما وقرطاجة قبل ظهور هنيبعل, أين موقع القائد هنيبعل من هذا التاريخ؟

تعالوا ندخل عالم هنيبعل لنتعرف على بعض أهم المحطات في حياته بشيء من التفصيل ودور هذا القائد من هذا التاريخ الطويل من الحروب والعداء بين روما وقرطاجة.

من هو هنيبعل؟

حنبعل أو هانيبال أو هنيبعل هي طرق مختلفة للفظ اسم هذا القائد الأسطوري وأشهرها هنيبعل ( وتعني المنحني إلى بعل, كرم بعل, بهجة بعل) وبعل هو إله الخصوبة لدى الكنعانيين. وكانت عبادة صور لبعل السبب الذي منع صور من التسليم للإسكندر وتكريمه ومن ثم أدى هذا إلى الحصار البري ثم البحري الذي أقامه الإسكندر على مدينة صور الذي كان حصارا قويا انتهى بعد ذلك بانتصار الإسكندر في سنة 333 ق.م. ومن ثم دمار كامل لمدينة صور القديمة وقتل ما يقارب من 8000 من أبنائها وسبى ما يقارب من 30 ألف كعبيد.

وجاء ذكر بعل في القرآن الكريم في قول الله تعالى: أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين. الله ربكم ورب آبائكم الأولين. في قصة إلياس بن ياسين عليه السلام.

وقد سميت كذلك مدينة بعلبك نسبة إلى بعل إله الفينيقيين. فهي مدينة البعل، نسبةً إلى هيكل البعل الذي بناه فيها الفينيقيّون.


إذا اسم القائد هنيبعل اسم ديني, وهو شبيه باسم عبد الله في الإسلام مثلا,
أوما شابه.

مولد هنيبعل وسنوات الصبى:

ولد هنيبعل في سنة 247 ق.م. لقائد قرطاجة المسمى ها ميلكار (أو هملقار) , وكان هاميلكار والد هنيبعل من كبار الارستقراطيين في قرطاجة.

إذا نلاحظ أن ولادة هنيبعل كانت في فترة الحرب البونية الأولى ومع نهاية الحرب البونية الأولى كان هنيبعل قد بلغ السادسة عشر من عمره, بالتالي هو عاش الكثير من الذكريات الأليمة عن هذه الحرب وهو يرافق والده منذ أن كان في التاسعة من عمره في حملته على أسبانيا.

هاملكار والد هنيبعل:

استلم هاملكار والد هنيبعل قيادة الجيش القرطاجي في نهاية الحرب البونية الأولى بعد أن انتصرت روما في سيسيليا وتمكن من الانسحاب بالجيوش القرطاجية بسلام وعاد بها إلى قرطاجنة.

قام هاملكار في حياته بإخماد ثورة العبيد ومن ثم التوسع في إسبانيا معتمدا على وجود المدن الفينيقية فيها , وهو الأمر الذي اعتبرته روما تحديا جديدا لها وتوسعا مخيفا من قبل قرطاجنة.

شهد هاملكار الكثير من المعارك ضد روما في الحرب البونية الأولى , لذلك كان يحمل الكثير من العداء لروما التي كانت تنافس قرطاجة على بسط النفوذ في العالم القديم في تلك الحقبة الزمنية.

وعندما كان هاملكار يقدم القرابين للآلهة قبل أن يتحرك نحو أسبانيا, وكان هنيبعل مازال صبيا في التاسعة من عمره , علم هنيبعل بتحرك هملكار نحو أسبانيا فتوسل لأباه أن يصطحبه معه في حملته , وافق هاملكار والد هنيبعل أن يأخذه معه ومن ثم أخذ ابنه للمعبد وغمس يدي ابنه بالدم, ولقن ابنه في المعبد القسم الذي يقسم فيه هنيبعل أنه طالما هو حي لن يكون أبدا صديقا لروما, وقيل أنه قال في قسمه لأبيه: أقسم أنني حالما يسمح لي عمري سوف استخدم النار والحديد لأقضي على روما. إذا نشأ هنيبعل على كلمات هذا القسم الذي لقنه إياه أباه من صغره حتى مات وفيا له.

توفي هاملكار بعد ذلك غرقا في إسبانيا وهو يحاول عبور أحد الأنهار في أحد المعارك في سنة 229 ق.م.

حصدربعل:

بعد وفاة هاملكار, استلم زمام الأمور حصدربعل زوج ابنته (صلاميو) الذي عين حاكما عاما على اسبانيا وقائدا على الجيش القرطاجي, وخلال السنوات السبع التالية لوفاة هاملكار تمكن حصدربعل بمساعدة هنيبعل من إتمام السيطرة القرطاجية على معظم شبه الجزيرة الليبيرية ( أسبانيا) ومن ثم قاد معاهدة صلح بين قرطاجة وروما في سنة 226 ق.م. يعلن من خلالها أن نهر إبرو يمثل حدا فاصلا بين النفوذ الروماني والقرطاجي.

اغتيل حصدر بعل في سنة 221 ق.م. وبعد موت حصدربعل تم انتخاب هنيبعل لقيادة الجيوش القرطاجية.

إستلام هنيبعل القيادة:

بعد مقتل حصدربعل آلت الأمور لهنيبعل وذلك بفضل شعبيته الجارفة بين الجيش الذي كان يرى في هنيبعل صورة أخرى من هاملكار ( والد هنيبعل) ونفس الإصرار والذكاء.

قام هنيبعل في أول سنتين من حكمه ببسط نفوذ قرطاجة على كامل الجزيرة الأيبيرية إلى نهر إبرو وفقا لمعاهدة إبرو مع الرومان. خطوات هنيبعل في آيبيريا أوقعت الخوف في قلب روما, فقامت روما في سنة 219 ق.م. بتوقيع معاهدة مع مدينة ساغنوم الواقعة في منطقة النفوذ القرطاجي وفقا لمعاهدة سنة 226 ق.م. التي وقعها الرومان مع حصدربعل وأعلنت الوصاية عليها . وقامت بعد ذلك ساغنوم بتحريض المدن الأسبانية على القرطاجيين وهو الأمر الذي أعتبره القرطاجيون إشارة لنقض العهد بينهم وبين روما والتي تقع داخل الحدود القرطاجية وفقا للمعاهدة,.



بداية الحرب البونية الثانية (ساغنوم):

أغضبت هذه الخطوة هنيبعل وأعتبرها خرقا لمعاهدة إبرو, عندها عادت ذكريات ذلك الوعد الذي أطلقه هنيبعل لأبيه بالعداء على روما طوال حياته, ومن ثم قاد هنيبعل حصارا على مدينة ساغنوم استغرق تسعة أشهر عانى فيها هنيبعل من بعض الخسائر التي نجمت عن التحصين القوي وإصرار المدافعين عنها, لكن قوات هنيبعل تمكنت من تحطيم دفاعات المدينة حتى سقطت في النهاية ساغنوم بيد هنيبعل. عندها لجأ أهل ساغنوم لروما حليفتهم طلبا للمساعدة, لكن روما لم ترسل لهم أي مساعدة. دخول هنيبعل ساغنوم كان البداية للحرب البونية الثانية, وأصبح هنيبعل يملك الآن قاعدة يمكن أن تزود قواته بالمؤن وبالرجال.

أثارت ردة فعل هنيبعل حنق روما التي طالبت مجلس قرطاجة بتسليمها هنيبعل الأمر الذي رفض من قبل المجلس نضرا للشعبية الجارفة التي يكنها الجيش لهنيبعل ولأن روما هي التي بدأت فعليا نقض العهد. سجلت هذه الأحداث بداية المعارك البونية الثانية التي كادت أن تغير التاريخ والتي استغرقت زمنا بين 218 ق.م. وحتى 202 ق.م.

إذا دقت طبول الحرب بين روما وقرطاجة, ولم تكن المسألة إلا وقت حتى تدخل الجيوش في معارك مباشرة, وبدأ كل فريق يجهز عدته وعتاده.

خطة هنيبعل لدحر روما:

هنيبعل القائد الشجاع المقدام الذي تعلم فنون الحرب من أبيه منذ نعومة أظفاره , لم يكن ليرضى أن تطأ الجيوش الرومانية أرضه, لهذا خطرت على باله فكرة لم تخطر على بال أي من القرطاجيين وهي الهجوم على روما في معقلها, ولأن القوة الرومانية البحرية كانت أقوى بكثير من القوة القرطاجية في ذلك الوقت, خطرت على ذهن هنيبعل فكرة تبدو للوهلة الأولى مستحيلة, لكن علمنا التاريخ أن القادة العظام هم من لا يؤمنون بوجود المستحيل, كانت الفكرة تقوم على الهجوم على روما من خلال الالتفاف على روما انطلاقا من أٍسبانيا مرورا بفرنسا ومن ثم اجتياز جبال الألب للهجوم على روما من الخلف ومن البر بدلا من البحر.

جيش هنيبعل في شبه الجزيرة الليبيرية كان يبلغ 90,000 من المشاة و 12,000 فارس وبالرغم من أن هذه الأرقام تشمل قوات حصدربعل وهنيبعل, فإن قوة الحملة كانت تقدر ب 75,000 من المشاة و 9,000 فارس وعدد من أفيال الحرب الأفريقية.

مغادرة هنيبعل قرطاجة الجديدة وبداية الحملة على روما:

غادر هنيبعل قرطاجة الجديدة في أواخر ربيع 218 ق.م. وسار بجيشه قريبا من الساحل حتى وصل لنهر إبرو في نهاية شهر جون. عند نهر إبرو وقبل أن يجتازه , ولأن هنيبعل يعلم صعوبة المهمة التي لم يكن يقوى عليها إلا الأشداء من الرجال, أراد هنيبعل أن يختار المقاتلين الذين يمكن الوثوق بهم وبإخلاصهم لتنفيذ خطته الجريئة التي تهدف إلى نقل الحرب إلى أرض أعدائه, لهذا قام هنيبعل بفرز الجيش واختار أن يصطحب معه أكثرية من الليبيين ومرتزقة ليبيريين. في ذات الوقت عين هنيبعل أخوه صدربعل قائدا على ليبيريا حتى يحافظ على الوضع ويأمن من أي حركات انفصالية يمكن أن تضعف موقفه في المستقبل.

إجتياز نهر إبرو والوصول إلى جبال البيرينية:

اجتاز هنيبعل نهر إبرو الذي كان وفقا للمعاهدة يفصل بين نفوذ روما ونفوذ قرطاجة وحارب أثناء مروره القبائل الشمالية في سيره باتجاه جبال البيرينية (Pyrenees) أو البرنس (سلسلة جبلية تفصل بين أسبانيا وفرنسا ), واستطاع إخضاع هذه القبائل من خلال استراتيجيات ذكية في الحركة بين الجبال وبتصميم قوي على هزيمتها للعبور نحو هدفه. وبعد أن أخضع هذه القبائل ترك خلفه 11 ألف رجل في الحامية التي خلفها في هذه المواقع التي احتلها وسيطر عليها, وقبل عبوره جبال البيرينية سرح هنيبعل ما يقارب من 11 ألف رجل من الليبيريين ( جزيرة ليبريا) والذي أظهروا الرغبة في العودة إلى ديارهم, وبالتالي دخل هنيبعل فرنسا (Gaul ) بخمسين ألف من المشاة وتسعة ألف من الفرسان وعدد من الأفيال الأفريقية التي تم تدريبها على ظروف الحرب.


أدرك هنيبعل أن الطريق أمامه مازال طويلا وأنه بحاجة لعبور جبال البيرنية, وجبال الألب والعديد من الأنهار الهامة وكذلك عليه موجهة عوامل الطقس, بالإضافة إلى ذلك أنه مضطر لدخول معارك مع القبائل الفرنسية, لكن هذه الحقائق لم تفت من عضده بل استمر في سيره الخطر واجتاز جبال البيرينية الأمر الذي أوصله بعد ذلك لداخل المقاطعات الرومانية في الأراضي الفرنسية (Gauls) وهو الأمر الذي أغضب روما التي كانت تهدف دائما لحرب الرجل على أرضه وليس على الأراضي الرومانية.

دخول هنيبعل إلى أراضي المقاطعات الرومانية في الأراضي الفرنسية (Gauls), مكن هنيبعل من عزل القبائل المحلية عن روما وهو الأمر الذي سمح له بعد ذلك بإثارة هذه القبائل ضد الحكم الروماني ومن ثم استمالة قادة هذه القبائل للانضمام إلى جيشه وعصيان الحكم الروماني,مستغلا رغبة هذه القبائل بالتخلص من السيطرة الرومانية على مقاليد حياتهم , حتى وصل في مسيره لنهر الرون في شهر سبتمبر قبل أن تتمكن روما من أخذ أي إجراء لموجهة تقدم هنيبعل.

عندما وصل هنيبعل إلى نهر الرون في شهر سبتمبر كان قد بلغ عدد أفراد جيشه 38 ألف من المشاة و 8 ألف فارس و 37 فيلا حربيا.

وخلال ذلك عرض المصالحة على بعض القبائل لكي يصل إلى الرون قبل أن يتخذ الرومان أي تحصينات عسكرية وبالتالي يستفيد من عنصر المباغتة. حتى وصل هنيبعل لأطراف جبال الألب, وبعد ذلك أعتبر اجتياز هنيبعل لجبال الألب إحدى المعجزات العسكرية بل أحد أبرز الإنجازات العسكرية لأي قوة من العصور القديمة, والتي مازال الكثير من الباحثين يجرون عليها الدراسات حتى يومنا هذا لأن هذا العبور أعتبر معجزة بل وأعتبر أكبر إنجازات هنيبعل في المجال العسكري.

وبعد أن حصن هنيبعل نفسه من غدر القبائل الفرنسية التي حاولت إعاقة عبوره من خلال المعاهدات التي عقدها معهم, دخل هنيبعل في حرب مع قوة رومانية أرسلت لمقاومته في فرنسا وتمكن من دحرها بسهولة, ثم استمر في سيره في أعالي وادي أحد روافد نهر الرون ( من المحتمل أن يكون إيسيرا– Isere) وبدخول الخريف كان هنيبعل قد وصل إلى حدود جبال الألب.

بعد ذلك تمكن هنيبعل من اجتياز سلسلة جبال الألب التي كانت كالسوار تحيط إيطاليا من الشمال, وبينما تجاوز هنيبعل كل الصعوبات التي تتعلق بالتضاريس والطقس وحروب العصابات التي شنتها عليه القبائل المحلية, وكذلك التحديات التي ألقتها على كاهله قيادة جيش متنوع العرقيات واللسان, أعتبر اجتيازه لجبال الألب في فصل الشتاء أحد أكبر الإنجازات العسكرية لأي جيش من العالم القديم ومثل مفاجأة كبيرة لروما.

يقال أن هنيبعل وأثناء سيره في منطقة جبال الألب, والعواصف الشتوية والبرودة تحيط به من كل جانب, توقف جيشه أمام صخرة عظيمة منعت جيشه من إكمال المسيرة, وكاد الإحباط يصيب الكثير منهم , حتى تقدم هنيبعل وأمر الجنود بصب الكثير من الخمر الذي كان يحمله معه على الصخرة ثم اضرم بها النيران حتى تفتت وانفتح الطريق أمام الجيش. ومن أشهر أقوال هنيبعل قولته الشهيرة إما أن نجد طريقا أو أن نصنعها (We will either find a way, or make one (.

بعد أن أكمل هنيبعل رحلته على مرتفعات الألب, نزل هنيبعل من مرتفعات جبال الألب إلى شمال إيطاليا, لكنه وصل بعد أن خسر تقريبا نصف عدد الجيش الذي بدأ به حملته حوالي تقريبا 20,000 مقاتل , كما لم يتبقى له غير ثلاثة من الأفيال الأفريقية التي تأثرت بعوامل الطقس ولم تتمكن من النجاة.

إلا أن بوليبيوس ( مؤرخ يوناني), ذكر أنه قد اطلع على وثائق حربية قرطاجية أفادت أنه قبل وقت قليل من اجتياز هنيبعل لجبال الألب , أعاد مرة أخرى بعض من القوات الليبيرية التي رافقته وذلك لشكه في ولائهم, وهو الأمر الذي يرشح أن خسائر هنيبعل أثناء اجتيازه جبال الألب كانت أقل بكثير مما ذكر, كما أن هنيبعل تمكن من نقل أغلب الأفيال على جبال الألب, إلا أن هذه الأفيال ماتت بعد اجتيازها جبال الألب نضرا للطقس البارد والرطب الذي يتسم به طقس شمال إيطاليا في الشتاء.

إذا هناك اختلاف واضح في الأرقام سواء عدد المقاتلين الذي بدأ بهم هنيبعل حملته أو عددهم بعد اجتيازه لجبال الألب.

كان واضحا أن هنيبعل وضع في حساباته مسبقا هذا الوضع وأنه غير قادر على الاعتماد على المقاتلين الليبيريين, لهذا كان قد ابرم اتفاقيات مع القبائل السلتية في شمال إيطاليا.


================================================== =======

إن إجتياز هنيبعل لجبال الألب عمل أدهش العالم قديما وحديثا ومازال مثار إعجاب القادة العسكريين, بل إن هذا العمل يعد من المعجزات.

يقول الكولونيل دودج أنه حاول أن يدرس هذه المعجزة ليطّلع على تفاصيلها، فأحصى ثلاثمائة وخمسين كتاباً وضعت كلها لدرس الموضوع نفسه، وقال الكولونيل لأن جيرار والتر، في كتابه القيّم : " تدمير قرطاجة " إن العلماء والمؤرخين والاختصاصيين في الشؤون العسكرية، وضعوا أكثر من خمسمائة دراسة لتحديد الطرق التي اجتازها هنيبعل. ولكنهم لم يتفقوا على رأي. وما تزال مناظراتهم مستمرة حول هذا الموضوع منذ أحد وعشرين قرناً.

إن الأستراتيجيات العسكرية التي نفذها هنيبعل لاتزالت تدرس حتى يومنا هذا, وقبل ان الحلفاء في الحرب العالمية الأولى درسوا خط هنيبعل والطريقة التي نفذ بها خطته واستفادوا منها.


استرابون: مؤرخ جغرافي إغريقي من القرن الأول (الجغرافي اليوناني القديم استرابون (46 ق.م - 91م)

هيرودوت: مؤرخ يوناني ( 484 -424 ق.م. ).           ودمتم.....نهاية ج1





الجزء2
بعد أن اجتاز هنيبعل وجيشه نهر الرون كان قد بلغ عدد جيشه في ذلك الوقت 38,000 من المشاة و 8,000 فارس و 37 فيلا حربيا.

في ذلك الوقت, وصلت أنباء عن إرسال روما لجيش بقيادة سكيبيو الذي سوف يعرف بعد ذلك ب سكيبيو الأفريقي لكي يقطع الطريق على هنيبعل ويواجهه في ليبيريا ( أسبانيا) , لكن سرعة تحرك هنيبعل أدهشت الرومان.

فكر هنيبعل كثيرا , هل يغير من خط سيره وينزل أدنى نهر الرون لكي يواجه سكيبيو, أم يتركه وشأنه لينفذ ما عزم على تنفيذه دون تأخير؟

قائد في عبقرية هنيبعل كان يعرف أهمية الوقت وأهمية الحرب على الأرض الرومانية, بينما الجنود كانوا يفضلون مواجهة سكيبيو على صعود جبال الألب, فهم في النهاية جنود ولا يهابون المعارك لكن تلك المرتفعات الشاهقة والمجهولة لديهم كانت تبث الذعر والخوف بينهم, كانوا يخافون من الإنزلاقات من القمم, وانزلا قات الصخور عليهم, وكانوا يخشون من صعود هذه القمم الموحشة وهم مثقلين بأحمالهم وعتادهم في جبال تكسوها الثلوج والصقيع.

عندما شعر هنعيبل بخوف جنوده من الصعود إلى الجبال استدعى المجموعة القيادية في الجيش وتحدث إليهم عن مخاوفهم الغير واقعية بعد أن وصلوا إلى هذا الحد في تنفيذ خطتهم الجسورة وصاح بهم:

لقد تجاوزتم البيرينية (Pyrenees) وعبرتم نهر الرون وأنتم الآن وقد تراءت لكن جبال الألب وهي البوابة لدخول بلد الأعداء. ماذا تتصورون أن تكون جبال الألب؟ إنها لا تعدوا عن كونها جبال مرتفعة بأي حال, بافتراض أنها أعلى من البيرينية, هذه الجبال لن يصل ارتفاعها إلى السماء, ومادام أنها لا تصل إلى السماء, إذا هي لا يمكن أن تكون مستعصية علينا.

في الحقيقة هذه الجبال تقطع كل يوم , وحتى أنها أصبحت سكنا , وموئلا للكثيرين, والمسافرين يقطعونها كل يوم من طرفها إلى الآخر, وما يمكن لرجل بمفرده أن يقوم به, يمكن لجيش أن يقوم به, إن الجيش يتكون من مجموعة أكبر من الأفراد, في الحقيقة بالنسبة للجندي الذي ليس لديه ما يحمله سوى العتاد الحربي لا يمكن بأي حال أن يكون عبور الألب صعبا إذا امتلكنا العزيمة والقوة.
بعد أن انهي هنيبعل حديثة, وجد رجاله وقد تشبعوا عزيمة وقوة وإصرار , عندها أمرهم بالذهاب لخيامهم ليرتاحوا استعداد للمسير في اليوم التالي.

لم يكن هنيبعل يود لقاء سكيبيو خارج الأرض الرومانية, كان متلهفا لملاقاة الرومان على الأرض الرومانية , لهذا وحتى يصل هنيبعل لهدفه , قرر أن يسير نحو أعلى نهر الرون , في طريق غير مباشرة توصله لداخل منطقة جبال الألب.

عندما علم سكيبيو بأن هنيبعل سبقه في وجهته وأنه من المستحيل أن يلاقيه على ارض ألغال (فرنسا) قام بترحيل جنوده عن طريق البحر إلى إيطاليا استعدادا لأي احتمال غير متوقع.

تحرك هنيبعل باتجاه جبال الألب لمدة أربعة أيام حتى وصل في بدايات سبتمبر إلى رافد من روافد نهر الرون (إيسير– Isere) ومن الممكن أن يكون داي Die, وفي ذلك الموقع استراح الجيش القرطاجي يومين وليلتين, ثم أستأنف بعد ذلك مسيره محاذيا لضفة إيسير اليسرى, وفي عشرة أيام من السير المتواصل بلغ جيش هنيبعل مونمليان واجتازها حتى وصل إلى جبال الألب.




أحداث اليوم الأول (1):

من دورونتيا , تقدم هنيبعل نحو جبال الألب سالكا طريق السهول المفتوحة دون أن يواجه أي معارضة من القبائل المحلية, ولقد كانت طبيعة جبال الألب مجهولة تماما لدى رجال هنيبعل, منهم من سمع عنها من خلال بعض ما كتب عنها , ومنهم من سمع عنها من خلال الكثير من الشائعات التي راجت في ذلك الوقت, وبالرغم من أن مجال الإشاعات يفتح المجال للمبالغة إلا أنهم يعلمون أنهم بدأو يدقون أبواب الحقيقية التي سوف تفتح لهم أبوابها لكي يتحققوا من الأمر بأنفسهم في الأيام القادمة.

إن الصور المرعبة التي تكونت في أذهانهم عن وعورة جبال الألب هي الآن أمامهم, القمم الشاهقة, المرتفعات المكسوة بالجليد والتي ترتفع لتعانق السماء, الطرق المنزلقة هناك في الأعالي, وليس آخرا سكان هذه القبائل من الرجال الشعث الذين لا تبدو على هيئاتهم غير النظرات الحادة, وحتى الحيوانات الجبلية الضارية, كل هذا وأكثر مما تخبئه لهم جبال الألب كان على مرمى حجر منهم وهو أكثر مما يمكن للكلمات أن تصفه, إن هذه الصور هي لمحة لما تخزن في إدراك وعقول الرجال الذين لم يخبروا من قبل جبال الألب.

تحرك هنيبعل والجيش سيرا باتجاه جبال الموريان, وهناك عند أول منحدر, كان اللقاء مع قبائل الألوبروج (The Allobroges) وهي من قبائل السلتيك الحربية القوية المعروفة ببأسها الشديد في القتال, لقد كانت هذه القبائل تراقب جيش هنيبعل وهو يدخل منطقة جبال الألب فتربصت به رغبة منها في اصطياد الجيش بين الممرات الضيقة مما يعطيها فرصة كبيرة لمهاجمته وسلب غنائمه.

هنيبعل الذي لم يكن يترك شاردة وواردة ولم يكن ليتكل على أدلائه الذين وعدوه بإرشاد الجيش إلى مسالك آمنه, قام بإعداد خطة محكمة وأمر الجيش بالتخييم في منطقة كانت عبارة عن سهل واسع بين الجبال ثم اختار وفدا من أفراد القبائل الغولية ( الفرنسية) الذي هم بأنفسهم رجال قبائل تعيش في الطرف الآخر من نهر الرون وكانوا يعرفون لغة وعادات الألوبروج.

لقد أرسل هنيبعل الوفد للقيام بمهمتين الأولى التفاوض مع هذه القبائل للمرور بسلام أو هكذا أراد هنيبعل أن يعتقد أعدائه, والثانية وهي المهمة الحقيقة , كانت تهدف إلى التعرف على هذه القبائل ومواطن قوتها وضعفها وعاداتهم في الحرب.

أحداث اليوم الثاني:

السير نحو سد قمة دي كابري (March Towards Blocked Col de Cabre) :

نجح الوفد في مسعاه وعاد وأخبر هنيبعل بنتائج الزيارة , ومن ضمن النقاط التي ذكروها لهنيبعل أن الألوبروج مصممون على القتال إلا أنهم لا يقاتلون إلا نهارا فإذا أسدل الليل خيوطه اقفلوا عائدين إلى قراهم وسكناهم حتى صباح اليوم التالي.

كانت هذه المعلومات كافية لهنيبعل لكي يرسم خطته, ولما أقبل الليل, أمر هنيبعل الفرسان بوضع أمتعتهم في المخيم وبشكل واضح ليراهم الألوبروج, ثم أمر بإيقاد النيران حتى أوقد الجنود نيرانا أكثر من المعتاد في سبيل تضليل قبائل الألوبروج ثم أمر الجنود بالبقاء في خيامهم حتى يعتقد الألوبروج أن هنيبعل سوف يخيم ولن يتحرك في المساء.

انطلت الحيلة على قبائل الألوبروج التي ما أن رأت النيران حتى انسحبت من مواقعها وعادت إلى قراها, وكانت هذه فرصة هنيبعل التي انتظرها إذ ما أن انسحب الألوبروج وتأكد من تخليهم عن أماكنهم حتى أمر الجيش بالتحرك على عجل حتى اجتاز الأماكن الخطرة التي كانت تمثل خطر على جيش محمل بالعتاد العسكري.

أحداث اليوم الثالث:

(
هجوم ألألو بروج على مؤخرة الجيش, ووصول هنيبعل ل جاب Enemy attack on baggage train; Capture of Gap).

ما أن أشرقت شمس اليوم الثالث حتى عادت قبائل الألوبروج لمواقعها التي كانت قد تركتها في الليلة الماضية فتفاجأت بعدم وجود المخيم حيث تركته, بل وأصيبت بحالة من الصدمة وهم يرون جزءا من جيش هنيبعل هناك في الأعلى وقد ارتقى في سيره مكانا أعلى من الذي كانوا يتجمعون فيه , بينما مازال بقية من الجيش تسير أدنى منهم.

راقبت هذه القبائل الصعوبات التي يمر خلالها جيش هنيبعل في الممرات الضيقة , هذه الممرات التي فرقت الجيش بحكم ضيقها وكذلك عملت على إجفال الخيول التي لم تتعود السير على المرتفعات, والحقيقة وجد الجيش القرطاجي نفسه أمام عدوين الأول كان القبائل العنيدة المقاتلة التي تتربص به شرا, والثاني كانت الظروف الصعبة التي تفرزها طبيعة جبال الألب خصوصا عند المرور في تلك الممرات الضيقة التي كانت تقطع الجيش إلى فرق بحكم ضيق المساحة المتوفرة للتحرك, حتى أصبح الأمر وكأنه على كل رجل من رجال هنيبعل أن يحمي نفسه بنفسه.

وكانت الخيول الغير مدربة على مثل هذه المواطن , قد اعتراها الخوف من الضجيج الذي خلقه تحرك جيش في منطقة ضيقة بين الجبال مما خلق صدى ضل يتردد بين جنبات الجبال المحيطة الأمر الذي أفزع الخيل وخلق بعد ذلك فوضى عارمة في الجيش.

عندما رأى قبائل الألوبروج هذه المصاعب التي يمر بها جيش هنيبعل , زالت حالة الصدمة, ومن ثم استجمعت هذه القبائل تركيزها وثقتها وقواها مرة أخرى وبدأت في رمي مؤخرة الجيش بالحجارة من مواقعهم العالية , فتسببت هذه الحجارة المتساقطة بزيادة جفول الخيول وبالتالي المزيد من الفوضى التي تسببت في سقوط الكثير من الرجال من على أطراف السفوح إلى الأرض وتسبب بالتالي بالكثير من الخسائر.

هنيبعل راقب الموقف بهدوء وقد أبقى مقاتليه الأشداء معه, بالرغم من أن الموقف كان يصدم كل من يراه من الأعلى, إلا أنه علم أن النزول في تلك الممرات الضيقة لن يضيف الموقف إلا تعقيدا, حتى بدأ الرتل يتفكك وشعر أنه لا فائدة من مرور الرجال دون عدتهم وعتادهم عندها أيقن أن الوقت حان للتحرك, لهذا نزل هنيبعل مع فرقة من الجنود الأشداء من الأعلى وشق صفوف الألوبروج الذي انهزموا وانكفأو خاسرين, وبالرغم من أن نزوله إلى مؤخرة الجيش أضاف شيئا من الإرباك إلا أن هذا لم يدم إلا دقائق معدودة حتى عاد النظام للجيش , وعاد الهدوء , وانفتحت أمام الجيش الطريق ليخرج من هذا المأزق بأمان.

قبض هنيبعل على قائد القرية التي تمثل حصن هذه المقاطعة , بالإضافة للقرى المجاورة ووضعه تحت الحراسة, وكانت الغنائم التي غنمها من الأبقار والحبوب كافية لتغذية الجيش لمدة ثلاثة أيام متتالية. وهكذا علم هنيبعل رجال القبائل درسا آخر في عدم التصدي له.



أحداث الأيام من اليوم الرابع وحتى السادس:

المسير دون عوائق نحو قمة مونتجينيفر Easy march towards col du Montgenevre)

استمر الجيش في مسيره بعد هذه الواقعة لمدة ثلاثة أيام دون أي مشاكل تذكر وهو الأمر الذي أعطى فرصة للجيش لكي يعوض ما فاته ويحرز تقدما كبيرا في مسيره.

أحداث اليوم السابع:

(
مبعوثون من قبيلة قرب برينكون Envoys from tribe near Briancon).

مع وصول هنيبعل إلى القمم الشاهقة, وإلى مناطق نفوذ قبائل جبلية أخرى كاد هنيبعل أن يقع في فخ تم نصبه وكاد أن يفقد حياته, لولا الخبرة التي اكتسبها هو ورجاله من التعامل مع رجال هذه القبائل المخادعة.

إذ بينما هنيبعل يسير بالجيش , تقدم إليه رجال مسنين من أفراد القبائل التي تقطن تلك المنطقة وهم يحملون في أيديهم أغصان الأشجار وعلى رؤوسهم أكاليل من الأزهار. عرض هؤلاء الرجال تقديم أبنائهم رهائن وإدلاء لكي يعينوا هنيبعل على استكشاف خط سيره, وكانت هذه الطريقة معروفة في ذلك الوقت كتعبير عن الخضوع والتماس الرفق والرحمة.

استمع هنيبعل لأقوالهم وهو يقرأ في عيونهم غير ذلك, إلا أنه شكرهم على قدومهم وعلى عرضهم, لم يكن هنيبعل يريد أن يبدأ هو المعركة لأنه كان يفضل المرور بسلام دون أن يجهد رجاله في قتال لا طائل منه ولا يخدم أهدافه. لهذا رد على القوم بطريقة ودية, فوافق على الاحتفاظ بالرهائن واستخدم ما قدم له من مؤن كان يحتاجها جيشه, وتبع دليلهم الذي عرضوه لكي يدل هنيبعل على انسب الطرق للوصول إلى هدفه.

علم هنيبعل إنهم ينوون الغدر به, لهذا قدم هنيبعل الفرسان إلى المقدمة مع الأفيال ثم بقي هو مع قوة ضاربة من الفرسان والمشاة الأشداء لحماية مؤخرة الجيش. وما أن أشرقت الشمس, وتحرك هنيبعل حتى أظهرت الأحداث بعد ذلك صدق حدسه, لقد تحول أولائك الخاضعين إلى ذياب جائعة تتبع مؤخرة الجيش القرطاجي, وما أن دخل جيش هنيبعل في ممر اسيون ذي الممرات الضيقة الصعبة حتى ظهر رجال القبائل من مخابئهم وقد شنوا هجوما على الجيش من المقدمة والمؤخرة وقد وثبوا وثبة واحدة وهم يرمون بنبالهم وحرابهم الجيش.

في ليلة اليوم الثامن:

في ذلك المساء اشتد هجوم تلك القبائل وكان الضغط الأكبر موجها نحو هنيبعل في المؤخرة, وتمكنت القبائل من فصل مقدمة الجيش عن المؤخرة, مستغلة الطرق الضيقة , ولأول ليلة وجد هنيبعل نفسه مفصولا عن فرسانه في المقدمة مع عتادهم الحربي, إلا أن هنيبعل تكفل وهو وفرسانه بصد الهجوم الذي شنته هذه القبائل وكبدها الكثير من الخسائر.

أحداث اليوم الثامن:

التحام جيش هنيبعل بالقرب من برينكون والمسير بإتجاه قمة جينيفر
Hanniabl's army united near Briancon: March towards col du mont Genevre.

في اليوم الثامن وبعد ظهور بوادر الهزيمة على هذه القبائل, تحولت جموع منهم إلى ذياب جريحة جائعة ضلت تتبع الجيش القرطاجي من على سفوح الجبال لكي تتحين الفرصة لترمي الجيش بالصخور من الجبال العالية أو تبطش بكل من تأخر عن الجيش لمرض أو لسبب آخر.

عندها قرر هنيبعل بنفسه الدفاع عن مؤخرة الجيش, فصعد بهم إلى السفح المطل على الوادي الذي يسير فيه الجيش, وجعل ظهره مواجها للجبال والصخور متأهبا لأي تحرك من تلك الفلول التي مازالت تطارد جيشه حتى مر الجيش وحتى آخر جندي من ممرات اسيون الضيقة.

والحقيقة لولا براعة هنيبعل وعبقريته الحربية وفطنته لما تمثله هذه القبائل من خطر, ولولا اختياره المؤخرة لما أمكن حماية الجيش القرطاجي من بطش هذه القبائل المتمرسة على الحرب في تلك التضاريس القاسية.

أحداث في اليوم التاسع:

وصول جيش هنيبعل لقمة مونتجينيفر Hannibal's army reaches the col du(Montgenevre.

بعد أن اجتاز هنيبعل ممر اسيون في صباح اليوم العشرين من شهر سبتمبر, استمر في السير عبر معابر جبلية لم تطرق من قبل, أحيانا لخطأ الإدلاء, وأحيانا كانت طرق مدروسة, حتى ظهرت له قمة جبل سنيس الشامخة, عندها أمر الجيش بالاستراحة حتى الظهر ثم استأنف مسيره من الظهر حتى وصل للقمة قبل الغروب.

أحداث اليومين العاشر والحادي عشر:

التوقف التخييم على قمة مونتجينيفر Halt on the summit of col du montgenevre

في الصباح قام هنيبعل فرأى منضرا غريبا, عودة العشرات بل المئات من رجاله الذين حسبوا مفقودين في حين أنهم تأخروا من التعب والإرهاق والتيه بسبب الظلام وهم يعبرون الممرات الضيقة , بالإضافة إلى هجمات القبائل على مؤخرة الجيش التي ولاشك أنها فرقت البعض منهم.

لم يكن الأمر مقتصرا على الرجال فقط, بل تبعهم عدد لا يقل من الخيول والبغال والأبقار التي كانت قد طرحت أحمالها ونفرت بين الأودية والجبال إلا أنها عادت مدفوعة بالغريزة الحيوانية حتى استهدت لموقع الجيش.

خيم هنيبعل لمدة يومين على القمة, حتى يعطي رجاله الوقت لكي يرتاحوا من المصاعب الجمة التي رافقت رحلة الصعود وكذلك من المعارك التي خاضها هنيبعل ورجاله ضد رجال القبائل الشرسين في الممرات الضيقة.

أحداث اليوم الثاني عشر:

قمة جبل سنيس Summit of Cenis

كان الجو في ذلك اليوم صافيا جميلا تمكن هنيبعل من خلاله من أن يلاحظ من بعيد خضرة السهول الإيطالية البديعة ووادي نهر بو يلوح في الأفق, ولأول مرة يرى هنيبعل ارض أعدائه أمامه بمروجها وحقولها ومراعيها فانشرح قلبه وامتلأ سعادة لا توصف, إلا أنه وعندما شاهد رجاله سواء من وصل لتوه أو من بات في مخيمهم وقد اكتساهم القلق والوهن والشرود, فأمرهم بالتجمع هناك على جبل سنيس.

هناك في مكان عال على جبل سنيس (Mount Cenis) وقفت مجموعات من البشر غريبة على المكان, يبدو عليهم الوهن والشرود, يرتدون أسمالا ويجرون أثقالا على كواهلهم ورؤوسهم لا تكاد ترتفع عن صدورهم من المشقات والمصاعب التي واجهوها وهم يسيرون في رحم المجهول حتى لفظهم في نهاية الأمر على جبل سنيس.

وأمام هذه الجموع الشاردة كان هنيبعل بهمة ونشاط دون كلل أو ملل تحسبه لم يمر بما مر به القوم من أهوال وصعاب, هو من ذاك المعدن الأصيل الذي كلما دعكته الظروف ازداد بريقا ولمعانا.

وعلى مرتفع يطل على إيطاليا, أوقف هنيبعل الجموع, ثم أشار بيده إلى السهول والوديان وصرخ بهم

انظروا ..............

وساد الصمت المكان, ورفع الفرسان والجنود إبصارهم نحو الأفق بعيدا, وكأنهم يقولون أي هنيبعل إلى ماذا ننظر؟ لم تكن تظهر لديهم غير سهول بعيدة خالية من أي لون بهيج, ولم يكن يظهر لهم منها شي بعد.

لكن هنيبعل لم يكن ليترك لليأس فرصة ليجد مكانا له في قلوب رجاله بل استطرد وهو يعرف ما في نفوسهم وقد خبرهم منذ زمن بعيد قائلا:

يا رجالي

أيها الجنود البواسل

لقد تجاوزتم الحدود التي كانت تحمي إيطاليا, ليس هذا وحسب, بل إنكم تمشون على أسوار روما العالية, من الآن وصاعدا لن يكون هناك جبال تتسلقونها, وبعد معركة أو اثنتين سوف تكون لكم عاصمة إيطاليا, حصن روما لتحتظنونها بذراعيكم.

لقد وصلتم إلى مشارف إيطاليا وهي تلوح أمامكم, أنتم اليوم جائعون خائرو القوى, لكن هناك ستدخلون مدنا عامرة تزخر باللذائذ من أصناف من الطعام والشراب وتعج بالكنوز والتحف الثمينة. أنتم هنا تفترشون التراب وتتوسدون الحجارة والصخور, بينما تنتظركم هناك الأسرة الوثيرة لتمنحكم السعادة والدفء عوضا عن الليالي الباردة والمطيرة التي قضيتموها في سيركم.

ومد يده نحو الأفق وهو يقول: كل هذا ينتظركم هناك, كل هذا سيكون لكم, وهاهي الطريق مفتوحة أمامكم لتركعوا روما ولتكونوا أبطالا تستحقون المجد.

أي سحر هذا ياهنيبعل

ما أن أكمل هنيبعل كلامه حتى عادت الألوان للصورة, وعادت الحياة تدب في نفوس وعقول الجنود, وبدؤوا يرون ما لم يكن يرونه قبل دقائق وكأن كلماته مطايا امتطوها فجالوا من خلالها على كل سهول ووديان ومدن إيطاليا.

أي سحر هذا ياهنيبعل

لقد لامست هذه الكلمات شغاف قلوب الرجال, وملأتهم عزيمة وقوة وإصرار على تحقيق المستحيل. تحرك الجيش بعدها وواصل المسير نزولا من جبال الألب دون أي اعتراض وكل منهم يمني نفسه بالنصر والمجد.

هنيبعل كان قائدا فذا وعبقريا في فهم نفسية رجاله, وكان يعرف متى يتحدث إليهم كصديق ومتى يصدر لهم الأوامر كقائد, كيف لا وهو قد عاشرهم طويلا وخبر نفوسهم وروحهم القتالية حتى أصبح يعرف كيف يقودهم إلى المجهول دون خوف من أي اعتراض منهم.

النزول من سفوح جبال الألب الشرقية وكما ذكر المؤرخين كان في أحيان كثيرة أصعب من الصعود من الجهة الغربية لجبال الألب خصوصا أن الوقت كان في آخر أسبوع من شهر سبتمبر حيث الرياح القوية التي تهب من الشمال , وهو موسم بداية سقوط الثلوج التي كانت تعيق حركتهم, وبالتالي واجهت الجيش الكثير من المشاكل مع الأرض الزلقة التي لم يكن أي منهم قد تعود عليها.

وكما كان الحال إثناء الصعود كانت كذلك الممرات إثناء الهبوط ضيقة وزلقة وتعرض بعض الرجال للسقوط منها وهم ينزلون من القمم, وسرعان ما وجد الجيش نفسه يسير في ممر له منحدر سحيق من كلا الجانبين , وهو أمر يستعصى حتى على الأفراد الذين لا يحملون معهم أي متاع فما بالك بجيش أخذ منه الجهد كل مأخذ, حتى توقفت مقدمة الجيش أمام انهيار سد عليهم الطريق وهو أمر معتاد في تلك المناطق الجبلية, وعندما توقف الجيش ووصل الخبر إلى هنيبعل ذهب ليرى بنفسه الموقف, عندها علم أنه يجب أن يتخذ طريقا يلتف به من هذه المعضلة حتى يكمل المسير وهو ماقام به إلا أن هذا الالتفاف ادخل الجيش في طريق من المنحدرات الأكثر صعوبة.

في تلك المنحدرات كانت الأرض قد اكتستها طبقتين من الجليد, الجليد القديم والجليد الجديد الذي سقط مؤخرا في إشارة لدخول فصل الشتاء, وبالرغم من أن هذا الوضع في البداية أتاح موطئ قدم للسير, لكن ما أن كانت تدوسها وتفرقها أقدام كل هؤلاء الرجال والحيوانات المصاحبة لهم من الخيول , والبغال والأبقار حتى أدت إلى تفرقها وبالتالي ذوبان تلك الطبقة من الجليد, وكانت النتيجة مروعة, إذ خلق هذا الأمر جليد غير مستقر تحت إقدام الجيش وهو ما أدى للكثير من الإنزلاقات حيث لم يكن هناك أشجار يمكن أن تستخدم جذوعها لتثبيت الأرضية التي يسير عليها الجيش, وفي النهاية لم يكن أمام الأغلبية من أفراد الجيش سوى التدحرج والانزلاق مع الجليد الذائب.

وعانت البغال كثيرا من هذا الوضع, إذ أنها كانت تغوص بحوافرها في طبقة الجليد, وكانت في مسعاها للخروج من هذه الطبقة ترافس وتتحرك بقوة الأمر الذي كان يزيد من غرزها في طبقة الجليد أدنى منها, حتى تم احتجاز الكثير منها في تلك المنطقة لتلاقي مصيرها المحتوم.

ومع حلول المساء, أمر هنيبعل الجيش بالتوقف والحفر لخلق مساحة مناسبة للعبور بالرغم من حجم الجليد الذي تساقط على المنطقة حتى يخفف العبء على الجنود وعلى الحيوانات ثم خيم الجيش ذلك المساء على قمة تلة عالية.

أحداث الأيام من الثالث عشر وحتى الخامس عشر:

في صباح اليوم الثالث عشر استكمل الجيش مهمته في بناء طريق يمكن للجيش العبور عليه دون أن يتعرض للغوص في الجليد, حتى ظهرت مشكلة صخرة أعاقت تقدم الجيش وكان من الضروري أن يمر الجيش عبرها, وهي المشكلة التي تصدى لها هنيبعل بحل ذكي عندما طلب من بعض الجنود بتشذيب بعض أغصان الأشجار وقطعها ووضعها حوالي الصخرة, ثم وبمساعدة الرياح تم إضرام النيران حوالي الصخرة العظيمة حتى اشتدت حرارتها ثم أمرهم بصب النبيذ عليها حتى تفتت, فانفتحت الطريق أمام هنيبعل وجيشه لكي يكمل مسيره.

لكن هنيبعل أمر جيشه بالتخييم هناك وأعطى الجيش فترة ثلاثة أيام ليستريح فيها من عناء ما كابد بالرغم من عدم توفر الطعام والشراب في تلك المنطقة التي كانت تغطيها الجليد, وبعد انقضاء الثلاثة أيام نزل هنيبعل بجيشه ووصل إلى وادي نوفاليز وقد بلغ عددهم 26,000 مقاتل.

عملية التصعيد والهبوط وبالتالي اجتياز جبال الألب لم تستغرق أكثر من 15 يوما كما يقول أغلب المؤرخين وهي معجزة عسكرية مازالت تخلب لب الكثير من الباحثين في الإستراتيجيات العسكرية قديما وحديثا والذين أطلقوا على هنيبعل بعد ذلك لقب أبو الإستراتيجية العسكرية
معركة تريبيا (217 ق.م.):

بعد نزول هنيبعل من سفوح الجبال إلى شمال إيطاليا بدأ يسير في السهول متجها نحو وادي نهر بو , ظهوره المفاجئ للرومان في وادي نهر بو مكنه من فصل تلك القبائل التي كانت قد ألزمت حديثا بمعاهدة مع روما عن الرومان.
بوبليوس سكيبيو ((Publius Cornelius Scipio الذي قاد القوة الرومانية التي أرسلت لإيقاف هنيبعل والتي عادت بعد ذلك لإيطاليا عندما لم تتمكن من اللحاق به, لم يكن يتوقع أن يقوم هنيبعل بمحاولة اجتياز جبال الألب لكن هنيبعل أحدث المفاجأة وتمكن من الوصول لشمال إيطاليا.

بعد أن أعطى هنيبعل لجنوده قسطا من الراحة, قام هنيبعل بحماية مؤخرة الجيش من خلال إخضاع القبائل التورينية (نسبة إلى مدينة تورين), بينما كان يتحرك نزولا نحو وادي نهر بو, التحم الطرفان في معركة صغيرة في تيسينوس (Ticinus), في هذه المعركة اجبر هنيبعل الرومان من خلال فعالية وقوة فرسانه من إخلاء سهل لومباردي الخالي, هذا الانتصار , بالرغم من أنه يعتبر معركة صغيرة إلا أن كان لها تأثير كبير على سيطرة الرومان على قبائل الغولز, لأنه نتيجة لهزيمة الرومان في تيسينوس, بدأت هذه القبائل تركز نظرها على هنيبعل وعلى دعوته لها بالإنظمام إليه والتخلص من الحكم الروماني.

في نفس الوقت كان سكيبيو الذي أصيب بجرح كبير في المعركة, انسحب قاطعا نهر تريبيا بجيشه وأقام مخيما في بلدة بلاسنثيا (Placentia) بانتظار الدعم من روما.

القائد الروماني الآخر أسرع لوادي نهر بو , حتى قبل أن تصل أخبار الهزيمة في تسيسنوس لروما. قام مجلس الشيوخ بإصدار الأمر ل سمبورينوس لونقوس (Longus Sempronius ), بإعادة جيشه من سيسلي , ليجتمع بسكيبيو ومواجهة هنيبعل.

بعد هذه المعركة كان هنيبعل قد أعلن تحرر القبائل الجرمانية (Germanic) من سيطرة الرومان حتى انضم إليه قلة منهم.

سنحت الفرص لهنيبعل الآن من تحقيق هدفه ومن إبراز مهاراته العالية في وضع الإستراتيجية المناسبة للمعركة في تريبيا,كان هنيبعل يريد انتصارا سريعا حتى يعطي الثقة لرجال القبائل للإنظمام إليه لأنها كانت تخاف إن انضمت إليه من نقمت روما.

هنيبعل ومن خلال مناورات ماهرة, وضع نفسه في موقف مكنه من التواجد في منطقة بين بلاسنثيا و ارمينيوم, وهو الأمر الذي اجبر سمبورينوس للسير حتى يلتحم بسكيبيو. عندها تمكن هنيبعل من السيطرة على كلاستيديوم مما مكنه من تزويد جيشه بالمؤن التي كان يحتاج إليها, لكن هذا الانتصار لم يكن بدون ثمن, وذلك لأن سمبورينوس تمكن من تجنب هنيبعل والتحم بسكيبيو في مخيمة بالقرب من نهر تريبيا بالقرب من بلاسنثيا.

الرومان الآن كانوا قد استنفروا جميعهم لمواجهة خطر هنيبعل الذي تمكن من النجاة من الكثير من الشراك التي أعدت له وتمكن من وضع هالة وسمعة كبيرة وضعت تقريبا في مستوى الهي من البراعة التي كان يمتلكها.

كل من القائدين الرومانيين كان تحت إمرته تقريبا 20,000 رجل أي أن مجموع الجيش الروماني كان يقارب 40,000 رجل, بينما هنيبعل كان تحت إمرته تقريبا 26,000 رجل, بالإضافة إلى ذلك الرومان اتخذوا موقعا على طول نهر تريبيا, لهذا لم يجرؤ هنيبعل من اجتياز النهر في مواجهة خيرة الفرسان الرومان, ولم يملك المساحة الكافية من المناورة. وكان عليه تحقيق انتصار قوي وسريع إذا ما أراد فعلا تأكيد الجانب السياسي من إستراتيجيته.

تمكن هنيبعل مرة أخرى من تلطيخ سمعة الرومان من خلال إستراتيجيته التي قامت على نصب فخ آخر للرومان جعلهم يعبرون النهر وذلك من خلال إرسال قوة من المشاة للاشتباك مع الرومان بعد أن قطعوا النهر, وما أن هاجم الرومان هذه القوة حتى بدأت القوة القرطاجية بالانسحاب الاستراتيجي حتى عبروا إثناء تراجعهم النهر الأمر الذي أغرى الرومان بعبور النهر ضنا أنهم أنها فرصة للإجهاز على القرطاجيين.

لقد كان الوقت شتاء حالك البرودة من شهر ديسمبر, وكان الجو ماطرا, وكانت مياه النهر تصل تقريبا لصدور الرجال, وبالتالي ما أن وصل الرومان للضفة الثانية حتى كانوا نصف مجمدين. وكان هنيبعل قد بدا هجومه في الصباح في نفس الوقت لم يعطي قائد الرومان فرصة لأفراد الجيش لتناول الغداء بينما كان الجيش القرطاجي قد تغدوا بشكل ممتاز, وكانوا يتدفئون بالنار التي أوقدوها وبعد أن دلكوا أجسادهم بالزيوت لتحميهم من البرد.

بالإضافة إلى ذلك, قام هنيبعل بإخفاء أكثر من ألف فارس وألف من المشاة, خلف الأشجار, وبعد أن احتدم القتال كشف هنيبعل عن الكمين الذي نصبه للرومان وظهر الفرسان والمشاة من خلف خطوط الرومان فأحاطوا بهم من كل جانب.

النتيجة كانت انتصارا مدويا لهنيبعل وهزيمة ساحقة للرومان, لقد كانت مذبحة للقوات الرومانية لم ينجو منها سوى 10,000 جندي روماني تمكنوا من العودة لروما.

عندما رأت القبائل  هذا الانتصار بدأت تنظم لهنيبعل وبانضمامها تحققت أهداف هنيبعل من تحقيق انتصار مدوي على روما, وكذلك زرع ثقة القبائل في مقدراته على قيادتهم لهزيمة روما.

بعد فترة قصيرة أصبح الشمال الإيطالي وبشكل غير مباشر حليفا لهنيبعل , لهذا قامت قبائل الغولز , والليقوريان (Ligurian) بضخ دماء جديدة للجيش القرطاجي حتى اكتمل لهنيبعل 40,000 ألف جندي, وأصبح جيش هنيبعل الآن جاهزا لإجتياح إيطاليا.




معركة بحيرة تراسيمين (Lake of Trasimene)

بعد أن أمن هنيبعل موقفه في الشمال الإيطالي من خلال انتصاره المدوي في معركة تريبيا, قام هنيبعل بتجميع جيشه باحثا عن معسكر أكثر أمانا’ لهذا تحرك هنيبعل جنوبا, في نفس الوقت خاف الرومان من أن يكون هنيبعل تحرك باتجاه روما, فقام كل من كناوس سرفاليوس (Cnaeus Servilius) و جيوس (Gaius Flaminius), القائدين الجديدين لروما, بأخذ جنودهما لسد الطريق الشرقي والغربي على هنيبعل التي من الممكن أن يستخدمها هنيبعل لغزو روما.

وكان الطريق الوحيد المؤدي إلى وسط إيطاليا يقع في أرنو, هذا الطريق كان بشكل عملي واسعا وكان في ذلك الوقت قد طمر بالمياه أكثر من المعتاد في مثل هذا الموسم من السنة. كان هنيبعل يعلم أن هذا الطريق ملئ بالمصاعب لكنه بقي الحل الأمثل لديه لأنه أسرع طريق لوسط ايطاليا.

وكما يدعي بوليبيوس (Polybius) المؤرخ, أن رجال هنيبعل ساروا في هذا الطريق لمدة أربعة أيام وثلاثة ليال وهم يعانون من الفطريات والرغبة في النوم, وما أن قطع هنيبعل ابينوس (Apennines) حتى أصيب بالتهاب في باطن الجفن في عينه اليمنى افقدها البصر, إنتزع هنيبعل عينه اليمنى حتى لاتعيقه وأكمل المسير, وخسر هنيبعل في هذا الطريق الكثير من رجاله وبقية الفيلة التي جلبها معه.

وصل هنيبعل إلى اتروريا (Etruria), في ربيع سنة 217 ق.م. عندها قرر هنيبعل إغراء الجيش الروماني الأساسي بقيادة فلامينيوس (Flaminius) إلى معركة سريعة, وكما يقول بوليبوس, أن هنيبعل كانت حساباته تقوم على أساس انه لو تجاوز المخيم الروماني وتمكن من الانتقال إلى منطقة خلف قوات فلامينوس من الممكن أن يصيبهم بالإحباط ويجعلهم يلاحقونه الأمر الذي سوف يوفر له فرصة للهجوم عليهم.

في نفس الوقت, حاول هنيبعل أن يحطم ولاء حلفاء روما من خلال إثبات أن روما غير قادرة على حمايتهم.

بالرغم من ذلك, وجد هنيبعل أن فلومينيس لم يحرك ساكنا وبقي في معسكره في اريتيوم (Arretium) غير قادر على سحب فلومينيس إلى معركة من خلال أعمال التخريب التي قام بها في مناطق حلفاء روما, عندها قام هنيبعل بالسير بشكل جرئ حول ميسرة الجيش الرومي وتمكن وبشكل حاسم من فصل فلومينس عن روما وتمكن من تسجيل أول حركة التفاف في التاريخ العسكري. متقدما نحو اتوريا, أجبر خلالها هنيبعل عدوه فلومينيس على مطاردته

بعد أن اجتاز هنيبعل بحيرة تراسيمين, وصل إلى منطقة مناسبة جدا لوضع كمين , وما أن سمع أن فلومينيس قد أزال معسكره وتعقبه حتى قام بعمل التجهيزات الملائمة للمعركة التي أوشكت على أن تبدأ. في الشمال كانت توجد مجموعة من الأحراش والغابات الكثيفة على طول الجزء الشمالي من البحيرة, وعلى طول حدود التلة التي تلتف حول البحيرة أقام هنيبعل معسكره من الموقع الذي يتيح له أفضل رؤيا لساحة المعركة المرتقبة ولكل من يدخل من الممر الشمالي الضيق, واستغرق هنيبعل الليل وهو ينظم صفوفه للمعركة المرتقبة. وأسفل المعسكر, قام هنيبعل بوضع المشاة من الليبيريين, ألسلتك, والأفارقة على منحدر صغير وهو الأمر الذي يسمح لهم بالحركة والنزول سريعا حسب مقتضيات المعركة, أمام مقدمة الجيش الروماني.

في نفس الوقت وضع هنيبعل فرسانه الأشداء, والمشاة من الجاليك مختبئين في الأحراش والغابات المجاورة في الوادي الذي يفترض أن يدخل منه الجيش الروماني حتى يتمكنوا بسرعة من الدخول وإقفال الطريق حتى يمنعون الجيش الروماني من التراجع. ثم قام بوضع بعض القوات الخفيفة على فتحة على طول التلة حتى يطلون منها على الأرض , مع أوامر بالاختباء بين الأشجار حتى تأتيهم الإِشارة بالهجوم.

بالإضافة إلى ذلك, في الليلة التي سبقت المعركة, قام هنيبعل بإعطاء الأوامر بإيقاد نار المخيم على تلال تورينو في مسافات ليست بعيدة, حتى يقنع الرومان أن قواته بعيدا جدا عن الموقع الحقيقي الذي هم مخيمين فيه.


في صباح اليوم التالي, وصلت الفرق الرومانية إلى الجانب الشرقي, وعلى طول الطريق وهي مسرعة في عبورها للجهة الشمالية من البحيرة, وكان فلامينيوس يدفع رجاله بدون رحمه للقتال, وكان يستعجل القوات في المؤخرة على المضي قدما.

عندها أرسل هنيبعل مجموعة قتالية صغيرة للمناوشة ولكي تسحب طلائع الجيش بعيدا عن مقدمة الصفوف, حتى تسمح لبقية الجيش الروماني من للانقضاض إلى الشرق. وما أن تحرك الجيش الروماني خلال الوادي الطويل والذي اكتسى بالضباب ودخلوا الأرض المنبسطة حتى تعالت أصوات الأبواق معلنة بداية الهجوم.

عندها نزل الفرسان القرطاجيون والمشاة من التلال المحيطة, واقفلوا الممر الضيق وانقضوا على الرومان من كل اتجاه, وتحت وطأة المفاجأة والمناورة المتقنة من القرطاجيين لم يكن لدى الرومان الوقت للانسحاب بطريقة منظمة وأجبروا على القتال يدا بيد في وضع لا أمل فيه في وضع مكشوف. انقسم الرومان بسرعة إلى ثلاثة فرق. الفرقة التي كانت في الغرب هاجمها الفرسان القرطاجيين وتم دفعها إلى البحيرة تاركة الفرقتين الأخريين مطوقة من جميع الجهات. المركز ومعهم قائدهم فلامينسوا التزما أماكنهم حتى قطعها الغول التابعين لهنيبعل بعد ثلاثة ساعات من القتال الشرس.

في ثلاث ساعات, كان الجيش القرطاجي قد قضى على الجيش الروماني ملحقا به هزيمة شنيعة, وعندما رأت مقدمة الجيش أن المؤخرة تداعت حاولت الهرب من خلال إيجاد طريق لها مخترقة القوة التي أرسلها هنيبعل لمناوشتها ولم يتمكن عدا 6,000 رجل فقط من النزوح بسلام تحت غطاء من الضباب ليتم إلقاء القبض عليها في اليوم التالي. ومن ضمن مجموع الجيش الروماني الذي بلغ 30,000 تم قتل النصف إما على ارض القتال أو غرقا في البحيرة ومن ضمنهم قائد الجيش فلامينسو, بينما تم إلقاء القبض على النصف الآخر كأسرى حرب. بينما لم تتعدى خسائر هنيبعل أكثر من 1,500 رجل ( وهو ما يمثل نسبة خسارة رجل إلى عشرة من الجيش الروماني.(

لكن الخسارة الرومانية لم تنتهي عند هذا الحد, إذا بعد يوم أو يومين وصلت قوة رومية مكونة من 4,000 رجل للتعزيز تمت مواجهتها والقضاء عليها.

بعد نهاية المعركة كان هنيبعل قد حطم القوة الوحيدة التي كان من الممكن أن تعيق تقدمه نحو روما, وكان هنيبعل يعلم انه بدون حصار عسكري قوي لن يتمكن من السيطرة على العاصمة الرومانية’ لهذا فضل هنيبعل أن يستثمر انتصاره من خلال العبور إلى وسط و جنوب ايطاليا لتشجيع جميع المدن على الثورة ضد القوة السيادية لروما.

بعد معركة بحيرة تراسيمينوس, صرح هنيبعل بأنه لم يقدم إلى إيطاليا لمحاربة الإيطاليين, ولكن لمحاربة روما نيابة عن الإيطاليين.                  ودمتم....نهاية ج2

واستمرت القوات الرومانية في تكتيك العرقلة، لكن هنيبعل بمجرد أن تأكد أن جنوده أخذوا ما ينبغي أخذه من الراحة، واستوعبوا تدريبات عالية، قرر المرور الي الاستدراج، وخلق سائر الظروف علي مدي أشهر لموقعة كناي العظمي التي بدأت في فجر اليوم الثالث من شهر آب ـ أغسطس سنة 216 ق.م. قام هنيبعل بمناورات علي مدي أشهر جعلت العدو يحرك قوات جبارة الي كناي.
كان منيوسياس روفوس صغير السن، وقام هنيبعل بمناورة فهم منها الضابط الروماني أنه صار يخاف المواجهة ويهرب. وهكذا انطلت عليه مناورة هنيبعل الذي أظهر تقهقرا منهزما زيادة في اتقان حبكة الاستدراج الكبير الذي يعده لخصمه المغرور. كان هنيبعل يقود جيشا من أربعين الفا، بينما كان جيش عدوه يتجاوز المائة ألف، نصفهم من المجندين حديثا، واعتبر أنه أقوي جيش علي الإطلاق جمعته روما في تاريخها. وزيادة في الخديعة قام الفرسان النوميديون في خفة الأشباح بغارة صدتها القوات الرومانية بنجاح، وتقهقر الفرسان مظهرين انهزامهم، فقرر عند ذاك القنصلان فارو وأميليوس مطاردة العدو المنهزم، وتقهقر القائد مهيربعل عبر نهر أوفيدوس هاربا وجيشا القنصلين يتعقبانه، وضيق عليهما الخناق شيئا فشيئا فوق سهل كناي المكشوف، وذلك في اليوم الثالث من شهر آب ـ أغسطس.
عندما التقي الجيشان أعطي هنيبعل إشارة البدء... ووجد الرومانيون أنفسهم يقاتلون في ظروف مزدوجة السوء، كانوا منكفئين بعضهم علي بعض، محصورين الكتف الي الكتف، بينما كان أعداؤهم يحومون حولهم بكامل حريتهم، كانوا منهوكي القوي، يواجهون عدوا متجدد القوة شديد البأس. كان هنيبعل يستعمل من بعيد إشارات معينة بدخان منطلق من حزم أعشاب خاصة تطلق دخانا عاليا، وكل عدد من هذه المشاعل الدخانية يعني أمرا معينا. ولم تكد تحل الظهيرة حتي اختفي الفرسان، فلم يبق فارس واحد بين مرتفعات كناي والمقر الصخري المرتفع لقيادة هنيبعل ، وبقيت في هذا الامتداد كتائب مشاة الرومانيين مكدسة بعضها علي بعض، في كتلة بشرية هائلة صماء. وانطلق الفرسان النوميديون الخفاف كالبرق وعلي رأسهم قائدهم مهيربعل فسدوا ثغرة فرار العدو المنهزم الهارب الي النهر. وكانت الأرض في سائر الاتجاهات ضد الرومان، وتمعن هنيبعل في هذا الموج البشري، وردد، في نشوة، وصية والده هملقار برقة: دع الأرض تقاتل عنك... وترك قادة وحداته ينفذون حرفيا خطته. وأبيد هذا الجيش الضخم. وعندما طلب منه رجاله أن يستريح أجابهم: ينبغي علي الطهاة أن يعدوا وجبة شهية، ويسخروا لها كل فنونهم، وتقدم مصحوبة بالخمر الي الجنود من سائر الرتب، فقد آن للجيش أن يستريح.
وهنا صاح العجوز مهيربعل في غضب:.. هنيبعل اسمع لي جيدا، في خمسة أيام   يستطيع الجيش أن يتناول هذه الوجبة في روما نفسها، سيسبقك فرساني كالبرق إليها، فيكتشف الرومانيون بحلولك بينهم من خلال هؤلاء الفرسان المرتدة قبل أن  يعلموا بخروجك اليهم... وتطلع هنيبعل مليا في وجه مساعده العجوز، ثم أجابه: هذا مما يسهل قوله، ويبهج القلب سماعه، يا عمنا البطل، لكن امعان التفكير في الأمر وتقليبه على عدة وجوه، يحتاج الي وقت طويل. وهنا لم يتمالك مهيربعل نفسه فصاح فيه في غضب، وقال له قولته الخالدة: هنيبعل لقد حبتك الآلهة بنعم كثيرة.......
، فأنت تعرف كيف تحرز النصر، ولكنك لا تعرف كيف تستخدمه وتستغله...  واستمع هنيبعل لمساعده العجوز رفيق وصديق والده، ومعلمه سائر أنواع القتال والفروسية والرياضة، تمعن مليا فيه ثم أمر باطعام الرجال. وعند انتهاء جولته التفتيشية عاد الي مقر قيادته لينام نوما عميقا بين حراسه.
ويعقب مؤرخو سيرة هنيبعل فيجمعون علي أنه لو عمل برأي القائد الفارس
مهيربعل لتمكن من احتلال روما وتغيير مجري التاريخ.. بدون حسم سريع ـ مثلما يراه مهيربعل ـ لا أمل في أن يكسب القرطاجيون الحرب في النهاية، لأنهم يقاتلون عدوا في بلاده، يملك تحت يده الشعب والغذاء والمال، بينما هو بعيد عن قرطاج، قطعت عنه الامدادات من إسبانيا التي تمكن سيبيو من السيطرة عليها، وعبر البحر المتوسط الذي تسيطر عليه الأساطيل الرومانية سيطرة مطلقة، ولا أمل في أن ترسل قرطاجة نجدات عبره لهنيبعل. يذكر انه بعد هذه المعركة ارسل هنيبعل إلى قرطاجة بثلاثة مكاييل من الخواتم الذهبية التي انتزعها من جثث خمسة آلاف فارس روماني كغنيمة حرب ولتكون رمزا لانتصاره.
تدمير قرطاجة
انتهت هذه الملحمة البطولية ملحمة الدفاع عن قرطاجة. واذا كانت هذه الحرب أسفرت عن وفاة مدينة، فقد أكدت أن الإنسان أقوي من القهر، وأن ارادته لا تردع بسهولة. ولقد تأثر لهذه المأساة حتي بعض المؤرخين الأوروبيين، يقول وارمنغتون: ألقي سيبيو أميليانوس نظرة علي المدينة التي ازدهرت أكثر من سبعمائة سنة منذ انشائها، والتي حكمت مناطق كثيرة، جزرا وبحارا، وكانت ثرية في السلاح والأساطيل والفيلة والمال، مثل الامبراطوريات العظمي، بل والتي فاقتها في الإقدام والشجاعة الفائقة. فبالرغم من أنها جردت من كافة أسلحتها وسفنها، فقد صمدت أمام حصار شديد، ومجاعة دامت ثلاث سنوات، ووصلت الي نهايتها بالتدمير الكلي.
ويروي المؤرخ اليوناني بوليبيوس الذي رافق القائد الروماني في عملية التدمير، فيقول: أن سيبيو أمليانوس بكي تأثرا بما آل له عدوه، فاستعرض أمامه الحقيقة المتمثلة في أن الأفراد والأمم والامبراطوريات نهايتها محتومة، وكذلك نصيب مدينة طروادة العظيمة، ونهاية الامبراطوريات الأشورية، والميدية، والفارسية، والتدمير الأخير لامبراطورية مقدونية الكبيرة. تمعن في هذا كله ثم ردد بقصد أو بدون قصد، كلمات هكتور في الياذة هوميروس: (سيأتي اليوم الذي تسقط فيه طروادة المقدسة، وكذلك الملك بريام وجميع رجاله المسلحين معه)، وعندما سأل المؤرخ بوليبيوس، سيبيو، ماذا تقصد بهذا؟، التفت اليه القائد الروماني وقال بتأثر: هذه لحظة عظيمة يا بوليبيوس..ان الخوف يتملكني من أن نفس المصير سيكون لوطني في يوم من الأيام.
ملاحظات حول شخصية هنيبعل
امتاز هنيبعل بشخصيته الماكرة وحسن معاملته لجنوده والتفوق الاستراتيجي
والمرونة أثناء المعارك كما أن سجله الخالي من الهزائم أمام الرومان لفترة طويلة.
1.    رحلته إلى إيطاليا عبر جبال الألب والتي تعتبر مغامرة عسكرية وأكبر
طوال ستة عشر عاما في إيطاليا، قاد هنيبعل قواته محققا ثلاث انتصارات كبرى، جعلت روما في حالة من الفوضى والخوف. كما كانت معارك تريبيا وبحيرة تراسمانيا وكاناي دليلاً آخر على كون هنيبعل أفضل قائد أثناء الحروب البونيقية.
كان هنيبعل مدركاً لكون الرومان يكونون في أفضل حالاتهم عندما يحاربون على  أرض أعدائهم، ولهذا السبب قام بهذه الخطوة الجريئة بنقل الحرب إلى بلاد الرومان. من هذا المنطلق، كانت رحلته إلى إيطاليا. استطاع هنيبعل  إستخدام كل الموارد والتكتيكات الحربية لتحقيق النصر، دون أن يترك جانباً واحداً للصدفة.
امتاز هنيبعل بقدرته على جمع المعلومات عن الرومان قبل المعارك مما مكنه من وضع خططه العسكرية المحُكمة. كما كان هنيبعل قادراً على فرض زمان ومكان المعركة الذان يمكنانه من تحقيق النصر على عدوه.
ظل هنيبعل لستة عشر عاما في إيطاليا، قبل أن تستدعيه حكومة قرطاجة للحماية المدينة من حملة الرومان الإفريقية. وكانت معركة زامة التي هُزم فيها هنيبعل في النهاية من سكيبيو الإفريقي.
في نفس الوقت، قدرة هنيبعل على أن يكون مرناً في المعارك، مثلما فعل في معركة كاناي. أيضا، كان هنيبعل يميل إلى التأكد من أن قواته مجهزة تجهيزا جيدا وكان يعتني بهم، وهو ما لم يكن قط من أولويات سكيبيو. وفي الباب الواحد والعشرين من الفصل الرابع من كتاب "التاريخ الروماني" للمؤرخ الروماني تيتوس ليفيوس (حوالي 60 ق.م-17م) نجد وصفا لخصال حنبعل.يقول المؤرخ الروماني متحدثا عنه "..لم يحصل قط ان وجد ذهن أكثر استعدادا لانجاز اشد الاشياء تضاربا وللامتثال والقيادة.ولهذا لم يكن من السهل الجزم ان كان القائد العام ام الجيش هو الذي يحبه أكثر.فلم يكن هنالك قائد يفضله عزربعل لانجاز اي عمل شجاع وحازم أو قائد شعر معه الجنود باكثر ثقة وجرءة.وقد توفر هنيبعل أكبر قدر من الاقدام لمجابهة الاخطار وأكبر قدر من الحكمة أثناء الاخطار نفسها ولم يكن اي جهد قادرا على ارهاق جسمه أو احباط عزيمته.واما في ما يتعلق بالاكل والشرب فقد كان يقف عند حد الكفاية ولا يبحث عن المتعة ولم يكن يميز بين الليل والنهار في ما يتعلق بالسهر والنوم فلقد كان يخصص للراحة ما توفر له من الوقت بعد انجاز اعماله ولم يكن يشترط للنوم فراشا وثيرا ولا هدوءا فلقد شاهده الكثير عديد المرات متدثرا بمعطف جندي ومستلقيا بين العسس ومراكز الحراسة.وكانت ثيابه عادية ولم يكن يتميز عن بقية الجنود الا باسلحته وخيله.و قد كان احسن الفرسان واحسن المشاة وكان أول المتقدمين إلى المعركة واخر المنسحبين منها." - تيتوس ليفيوس(حوالي 60ق.م-17م)التاريخ الروماني.الباب الواحد والعشرون.الفصل الرابع-

تم بحمد الله وتوفيقه........قام بالجمع والتنقيح والطباعة:
       محمد بن علي سعيد قيطون
نقال:+96899288480